رهان ووعود: أبرز التحديات الداخلية التي تواجه رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي

منذ 5 سنوات
23450

رهان ووعود: أبرز التحديات الداخلية التي تواجه رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي

 

د. حسن لطيف كاظم

 

في الاول من شباط الجاري سلم رئيس الجمهورية كتاب التكليف برئاسة مجلس الوزراء للسيد محمد توفيق علاوي ليشكل الحكومة الحادية والتسعين في قرن من الزمن هو عمر الدولة العراقية الحديثة. وعلاوي ينتمي للنخبة السياسية التي حكمت البلاد بعد 2003، وقد استوزر في حكومتي المالكي وزيرا للاتصالات، ويأتي هذا التكليف في سياق تاريخي فريد بسبب ما تشهده البلاد منذ الربع الاخير من العام الماضي، والحراك الشبابي الذي أفضى الى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، في واقعة لم تشهدها البلاد منذ انقلاب عام 1958 الذي قوض التجربة الديمقراطية الوليدة آنذاك.

على الرغم من أن الوقت المتاح أمام رئيس الوزراء المكلف ضيق بمقاييس المرحلة ومتطلباتها، وبمقاييس الخبرة السابقة وحقائقها. فان عليه العمل بجد لاستكمال كابينته الوزارية والتوجه الى مجلس النواب لنيل الثقة. وعليه ليس اختيار مجموعة من الوزراء بل عليه أن يختار توجها جديدا في ادارة الدولة ومؤسساتها بديلا عن منهج الادارة السابق.

وبقطع النظر عن شخصية رئيس الوزراء المكلف، وتوقعاتنا بشأنها، فان ما سيوجهه من تحديات سيفرض عليه العمل الجاد، وسط بيئة غير ودية، من قبل الاحزاب المشاركة في الحكم، ومن قبل الجماهير الرافضة لتكليفه، وحتى من لدن اولئك المحايدين الذين سيتوقعون منه انجازا قد لا يكون في متناول يده.

سيكون على رئيس الوزراء ان يواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية نجمل أبرزها فيما يأتي:

  • تحد ما قبل الحكومة: الخروج من إطار المحاصصة الى فضاء الشراكة، اذ ان عليه وهو يشكل حكومته أن ينقلها لأول مرة من 2003 من المحاصصاتية الفجة “الصفرية” الى فضاء الشراكة والتعاون. وقد ظهرت بعض التسريبات بشأن الوزراء الذين يحاول استيزارهم انهم حزبيون أيضا، وهنا سيكون عليه مواجهة وضع لم يسبق لمن سبقه مواجهته، والذي يتمثل بإرضاء رغبتين متعارضتين بشن هؤلاء الوزراء، الاولى هي رغبة الاحزاب التي ستمنح حكومته الثقة، والثانية هي رغبة الشارع الرافضة لاستيزار رموز الطبقة السياسية وبطانتها.
  • تحد العمل الوزاري: الخروج عن اتفاق المصالح في العمل الوزاري، اذ رسخت السنوات السابقة مبدأ غريبا في العمل الاداري، هو أن الوزرات هي ضياع لحزب الوزير، فلا شأن لاحد بها، بل لا شأن لرئيس مجلس الوزراء بما يجري فيها، الامر الذي وسع نطاق المسكوت عنه في الفساد المالي والاداري، وأثر سلبا في اليات المحاسبة البرلمانية لأداء الوزراء وبرامج عملهم، فضلا عن أنه جعل الوزارات غير مستجيبة لرغبات الناس ومصالحهم وتطلعاتهم التنموية، بقدر استجابتها لحاجات التمويل الانية للحزب القابض عليها عبر مشاريع مشروعة أو عقود تشوبها شبهات الفساد مثلما رشح بشأن عقد اللقاحات الذي ادى الى استقالة وزير الصحة في حكومة عادل عبد المهدي.
  • تحد التغيير: اذ ان من مهام الحكومة هو احداث تغيير في عملها الاني، وفي تشكيل المستقبل السياسي من خلال التحضير لانتخابات مبكرة، وهي مهمة من غير المتصور ان تكون في متناول حكومة علاوي، نظريا وعمليا. ويرتبط بهذا التحدي تغيير منهج الحكومة في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والامنية والعسكرية، فالحكومة بحاجة الى احداث تبدل جذري في ادارة هذه القضايا، لاسيما الاقتصاد في اقتصاد يولد البطالة أكثر من توليد فرص العمل والتي تصل الى حوالي 40% بين الشباب، ويولد الفقر أكثر من الرفاه فهناك أكثر من 20% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر، وتتفاقم فيه معدلات الامية والتسرب من الدراسة، ويتراجع فيه اسهام المرأة وفرصها في الاندماج الايجابي بالتنمية المستدامة.
  • تحد الابداع: من غير المتصور ان تنجح العقلية التي حكمت البلد منذ عام 2003 في نجاح حكومة علاوي، اذ ان عليه أن يكون مبدعا في كيفية ادارة شؤون حكومته، عددا وعدة، وعليه أن يكون مبدعا في اختيار اليات الادارة وشخوصها، بما يمكنه من الاحتفاظ بخيوط اللعبة بيده، لان فقدان هذه المفاتيح او تسليمها للوزراء الحزبيين يعني استنساخ تجربة عبد المهدي، الذي يتشارك علاوي معه الكثير من القواسم، لعل أهمها انهما ليسا نتاجا انتخابيا، بل هما نتاج توافقي، وهما غير مدعومين حزبيا، وهما أن شئنا الصراحة ضعيفين وسط قادة أقوى منهما بكثير. لذا فان هذا التحدي هو تحد عابر للتحديات السابقة، ويتعلق بسؤال كيف سيحكم توفيق علاوي في هذه المرحلة (طالت أم قصرت). لذا فان سؤال الكيف على الرغم من الحاحه ومجهوليته، الا أنه أهم من سؤال عن من سيختار وزيرا، فان تمكن من الامساك جيدا بخيوط اللعبة أمكنه ضبط ايقاع وزرائه بما يريد، لا بما تريد احزابهم، وعلى الرغم من أنه من غير المتصور ان ينجح في استئصال المنطق الحزبوي في ادارة الوزرات والمؤسسات، الا أنه يمكن أن يحد من قدرتها على تمرير ما تريد عبر وزرائها، ان تمكن هو من الامساك بوزارتي المالية والتخطيط، وزيادة كفاءة ادارة المالية العامة، وضبط عمليات الانفاق اعتمادا على موازنة “صفرية” تبرر فيها، وعلى نحو مقنع كيفية الانفاق ومآلاتها، والعوائد الاجتماعية للسياسات الاقتصادية، بل توحيد عمليتي صناعة السياستين الاجتماعية والاقتصادية.

 

ان انعدام الخيال الابداعي لدى النخبة الحاكمة، وتقليديتها في ادارة البلد سياسيا واجتماعيا وأمنيا، واعتمادها اساليب زبائنية في تعويض الاسرين من الانتخابات، وتعظيم مكاسب الفائزين، ادى الى وصول البلد على مرحلة الازمة، لذا فان الادارة على الطريقة التقليدية لن يغير الاوضاع، ولن ينتج تغييرا حقيقا في اوضاع البلد، والاستجابة لمشكلات المجتمع والحراك الشبابي الذي قاد الى استقالة الحكومة، التي كانت في جوهرها “استقالة نظام” و “استقالة لمنهج الحكم” وليست مجرد استقالة لحكومة فشلت في تحقيق ما وعدت به، لان من فشل في الحقيقة هو فشل النظام الناشئ بعد 2003، وادى الى انعدام الثقة بالنخب التي حكمت البلد منذ ذلك الحين، وان عدم ادراك ذلك يعني الوقوع في اخطاء المرحلة السابقة نفسها، وعدم الفكاك من حلقاتها.

يمكن الاطلاع على المقال في شبكة الاقتصاديين العراقيين:

د. حسن لطيف كاظم *:رهان ووعود – أبرز التحديات الداخلية التي تواجه رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي

التصنيفات : المقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان