الاقتصاد العراقي في زمن كورونا فايروس: (2) أثر الأزمة الثلاثية في الناتج المحلي الاجمالي 2020

منذ 5 سنوات
10711

الاقتصاد العراقي في زمن كورونا فايروس: (2) أثر الأزمة الثلاثية في الناتج المحلي الاجمالي 2020

د. حسن لطيف كاظم

أستاذ علم الاقتصاد جامعة الكوفة/ كلية الادارة والاقتصاد

 

يواجه العراق أزمة ثلاثية نشأت نتيجة تزامن تداعيات أزمة مرض كورونا والانخفاض الحاد في أسعار النفط وأزمة تشكيل الحكومة في اعقاب تظاهرات تشرين الاول (اكتوبر) 2019.

تفاقمت جائحة فايروس كورونا عبر العالم وانتشر الوباء في 176 دولة، متقدمة ونامية ليصيب 576,859 شخصاً، ويودي بحياة 26,455 شخصا([1])، ويفرض حظراً للتجوال في أغلب تلك البلدان، ويضطر أكثر من ملياري إنسان البقاء في بيوتهم خوفاً من هذا الوباء وسعياً من السلطات الصحية للسيطرة على المرض وكسر سلسلة انتشاره.

وكشفت هذه الأزمة هشاشة اغلب الاقتصادات، وعدم قدرتها على تحمل ازمات عنيفة مثل أزمة كورونا، ويجري الحديث عنما يسمى سيناريو يوم الحساب (Doomsday scenario) الذي يتحدث عن خسارة بترليوني دولار بسبب الأزمة. وظهرت نتائج المرض في كثير من الاقتصادات عبر العالم، وانهارت اسواق المال وبدأت تلك الاقتصادات تحقق معدلات نمو سالبة مع توقف عجلة الاقتصاد فيها. ويتوقع أن تترك هذه اثاراً سلبيةً تصل ما بين 15-25 في المائة في الناتج المحلي الاجمالي. ويتوقع أن تتفاقم الاثار السلبية في مجموعة الاقتصادات النامية أكثر منها في مجموعة الاقتصادات المتقدمة، بسبب هشاشة تلك الاقتصادات، وعدم توافرها على موارد مالية ومادية لمواجهة الأزمة. ويتوقع أن يكون الاثر أكبر بالنسبة للفئات الاكثر هشاشة والفقيرة، وتوقف الاعمال الصغيرة، والانشطة التي يعتمد عليها الفقراء في كلى المجموعتين على السواء.

وظهرت بإزاء الوعي بالأزمة الدعوات لقيام الحكومات إلى زيادة الإنفاق العام لمنع اقتصاداتها من الانهيار الأمر الذي يمكن أن يكون أكثر ضرراً لعموم السكان. إلا أن قدرة الحكومات على زيادة الانفاق ستكون رهينة بالحيز المالي المتاح لها، فالبلدان النامية المثقلة بالديون والتي تعتمد على صادرات المواد الخام لن يتاح لها احداث المستوى المطلوب من الزيادة، مع انخفاض عوائد صادراتها. ومع احتمال ارتفاع سعر صرف الدولار مع سعي المستثمرين إلى تأمين موجوداتهم، واحتمال ارتفاع أسعار السلع الأساسية مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، فان المصاعب ستزداد بالنسبة للبلدان النامية ومنها العراق.

معالم الأزمة في العراق

تزامن انتشار فايروس كورونا في العراق مع انخفاض تاريخي في أسعار النفط الخام، لقد سجلت اول اصابة في العراق في 24 شباط (فبراير) 2020، وهي لم تكن مفاجئة على أكثر من صعيد، بسبب قرب العراق من إيران التي كانت ثاني أكبر بؤر الفايروس في العالم، فالجميع كان يعتقد ان ظهور الفايروس في العراق وانتشاره هو مسألة وقت ليس إلا.  وخلال 33 يوما (ما بين 24 شباط وحتى 27 آذار 2010) بلغ عدد الاصابات في العراق 458 اصابة، تسارعت في الثلث الاخير من هذه المدة، إذ اضيف أكثر من 300 إصابة خلال أحد عشر يوماً فقط.

شكل (1)
المصدر: بيانات وزارة الصحة العراقية.

 

أما النفط فعندما سجلت الاصابة الاولى كان سعر خام البصرة الخفيف يبلغ حوالي 54.5 دولار للبرميل. إلا انه بدأ بالانخفاض تدريجياً ليصل الى 32.7 دولار في التاسع من شهر اذار (مارس)، ليرتفع قليلاً الى 43.25 دولاراً في 13 آذار، لينخفض بحدة بعد السابع عشر من الشهر نفسه ليصل في 26 آذار الى 32.5 دولاراً. أما نفط البصرة الثقيل فقد هبط على نحو مماثل في الاتجاه من 52.8 دولاراً في 26 آذار الى 29.18 دولاراً في 27 آذار.

فيما يتوقع حصول مزيد من الانخفاض في كلا السعرين، ومجمل أسعار النفوط الاخرى، مع تراجع الطلب العالمي واضطرار مزيد من الناس للالتزام بالحجر الاختياري، ونفاذ آليات الدفاع عن انهيارات جديدة في أسعار النفط من كبار المنتجين وتحقيق الاستقرار في سوق النفط المضطربة بتداعيات جائحة كرورنا وسياسات السعودية وروسيا ذات الصلة بحرب الأسعار، وبالفعل فقد انخفض سعر خام برينت الى 27.95 دولاراً للبرميل، وسلة اوبك الى 26.04 دولارا([2]).

شكل (2): أسعار نفط البصرة خفيف

(تحديث 27 آذار/ مارس 2020)

شكل (3): أسعار نفط البصرة الثقيل

(تحديث 27 آذار/ مارس 2020)

https://oilprice.com/freewidgets/get_oilprices_chart/4187# https://oilprice.com/freewidgets/get_oilprices_chart/4400#

 

تقديرات الناتج المحلي الاجمالي

ومن أجل تقدير اثار الأزمة المزدوجة في الاقتصاد العراقي فإننا سنحاول بناء سيناريوهات افتراضية لوضع الناتج المحلي الاجمالي في ظل افتراضات محددة:

  • يقدر الباحث أن حجم الناتج المحلي الاجمالي المتحقق في عام 2019 بنحو 4 تريليون دولار، بحسب البيانات المتوفرة لتقديرات الناتج التي اصدرها الجهاز المركزي للإحصاء للفصول الثلاثة الاولى من ذلك العام([3]).
  • إنّ مستويات تصدير النفط الخام في العام الحالي ستشبه مستوياته في العام الماضي (2019) للأرباع الاربعة من السنة.
  • إنّ سعر النفط العراقي المصدر سينخفض في العام الحالي الى 30 دولار في السيناريو الاول و20 دولار للبرميل في السيناريو الثاني.
  • إنّ الانشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلي الاجمالي غير النفطي سنتخفض بنسبة 15 أو 25 في المائة.
  • عدم وجود خطة انقاذ اقتصادي.

بأخذ الافتراضات المتقدمة بنظر الاعتبار، فإنّ معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي سيتراجع على النحو الموضح في الجدول الاتي:

 السيناريو الاول: انخفاض أسعار النفط الى 30 دولار

  • سيتراوح تأثير انخفاض أسعار النفط الى 30 دولار والانشطة الاقتصادية الاخرى بنسبة 15% بسبب تأثيرات كورونا الى 186.8 تريليون دينار، أي أنّ الأزمة المزدوجة ستتسبب في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 29%.
  • سيتراوح تأثير انخفاض أسعار النفط الى 30 دولار والانشطة الاقتصادية الاخرى بنسبة 25% بسبب تأثيرات كورونا الى 171.8 تريليون دينار، أي أن الأزمة المزدوجة ستتسبب في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 35%.

 السيناريو الثاني: انخفاض أسعار النفط الى 20 دولار

  • تأثير انخفاض أسعار النفط الى 20 دولار والانشطة الاقتصادية الاخرى بنسبة 15% بسبب تأثيرات كورونا الى 167 تريليون دينار، أي أن الأزمة المزدوجة ستتسبب في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 37%.
  • تأثير انخفاض أسعار النفط الى 20 دولار والانشطة الاقتصادية الاخرى بنسبة 25% بسبب تأثيرات كورونا الى 152 تريليون دينار، أي ان الأزمة المزدوجة ستتسبب في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 42.5%.

جدول (1): سيناريوهات الناتج المحلي الاجمالي في ظل الأزمة المزدوجة (تريليون دينار)

 التفصيل   سعر النفط 30 دولار وانخفاض الانشطة غير النفطية 15% سعر النفط 30 دولار وانخفاض الانشطة غير النفطية 25% سعر النفط 20 دولار وانخفاض الانشطة غير النفطية 15% سعر النفط 20 دولار وانخفاض الانشطة غير النفطية 25%
2017 205.1
2018 202.7
2019 264.4
تقديرات الناتج المحلي الاجمالي 2020 اثر انخفاض أسعار النفط وتراجع الانشطة غير النفطية 186.8 171.8 167 152
اثر انخفاض أسعار النفط فقط 209.3 209.3 189.5 189.5
 التغير في الناتج المحلي الاجمالي 2019-2020 اثر انخفاض أسعار النفط وتراجع الانشطة غير النفطية -29.3 -35 -36.8 -42.5
اثر انخفاض أسعار النفط فقط -20.8 -20.8 -28.3 -28.3

المصدر: تقديرات الباحث (ما عدا بيانات الناتج لعامي 2017 و 2018)

إنّ الاقتصاد العراقي في عام 2020 سيواجه صدمة مزدوجة (انخفاض أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا)، تتفاقم تداعياتها مع استمرار مدة الازمتين في ضوء الافتراضات المذكورة انفاً، التي ستؤدي الى مزيد من الانخفاض في الناتج المحلي الاجمالي، إلا أن تحسن الاوضاع ابتداءً من النصف الثاني من هذا العام سيعني تخفيف الآثار السلبية للصدمتين. فعلى سبيل المثال إذا عادت الأسعار للتحسن وارتفعت الى 40 دولار في النصف الثاني من عام 2020، وتوقفت الاثار السلبية في الانشطة غير النفطية فان الناتج سيرتفع الى 219.4 تريليون دينار، أي ان الانخفاض سيبلغ 17% عن العام السابق.

 

التداعيات المالية والاجتماعية في ظل غياب خطة انقاذ

لم تعلن الحكومة عن خطتها لإنقاذ الاقتصاد العراقي  وعلى وفق السيناريوهات المتقدمة، فان العراق بحاجة الى حقن الاقتصاد بمزيد من الانفاق الاجتماعي، وتوفير موارد مالية للفئات المتضررة من الازمتين، لاسيما أزمة كورونا، التي تتطلب مواجهة أوضاع المتضررين المباشرين بها، والمتضررين غير المباشرين بفعل الإجراءات التي تطلبها الحجر الصحي الاختياري وتعطيل العمل في القطاع الخاص مما يعد بتأثيرات سلبية على الكسبة وعمال الاجور اليومية ، فضلا عن الحاجة الى مزيد من الانفاق الصحي لرعاية مرضى الجائحة، اذ تشير التقارير الصحية الدولية الى أن تكلفة الرعاية الصحية للمرضى تقدر بنحو 34,927 دولاراً (أي حوالي 41.3 مليون دينار) للشخص الواحد، وعلى افتراض استمرار هذه التكلفة طوال مدة مواجهة الجائحة فان تكاليف العلاج لـ 1000 مصاب ستصل الى 41.3 مليار دينار عراقي، في حين تتجاوز التكاليف تريليون دينار لعلاج  25 ألف شخص، في حين سيتطلب علاج 100 الف شخص أكثر من اربعة تريليونات دينار.

إنّ الاثار الاجتماعية والاقتصادية للحجر الصحي وتراجع الانفاق العام لا تقتصر على توقف الاعمال والبطالة، لأنّ فقدان مصادر الدخل لملايين من الناس يمكن أن يتضمن تداعيات كارثية على الفئات الهشة والفقيرة، وهنا نستحضر خصائص الفقر في العراق، إذ اشارت تحليلات الفقر منذ عام 2007 وحتى عام 2018 الى ان ما يميز الفقر في العراق هو قرب نسبة كبيرة من السكان من خط الفقر، وهو ما يعني هشاشة أوضاع ملايين الناس، الذين ستؤدي الأزمة الى وقوعهم في براثن الفقر مع تراجع دخولهم.

على الحكومة ان تعمل على وضع خطة انقاذ عاجلة، تعتمد على سيناريوهات متعددة لمواجهة تداعيات الأزمة، وأن تبدأ بحصر الموارد المالية المتاحة لها، والبحث عن مصادر بديلة، ليس فقط لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالحماية الاجتماعية، وإنّما أن تتجه جدياً للتفكير في منح إعانات نقدية لغالبية الناس (مع التشديد على كونها نقدية)، ومن الممكن أن تستفيد من قاعدة البيانات التي يوفرها نظام البطاقة التموينية في شمول جميع المقيمين، وقد سبق أن استعملت البطاقة في توفير منح إبان حكومة المالكي الاولى. من جهة أخرى، ينبغي للحكومة أن تعمل على ضمان تدفق السلع الاساسية الى السوق، فضلاً عن رفد القطاع الصحي بمستلزمات السيطرة على المرض مستفيدة من العلاقات الجيدة مع الصين والتي يمكن البناء عليها في دعم القطاع الصحي لاسيما وأن الصين كانت صاحبة المبادرة في ذلك.

 

[1] https://gisanddata.maps.arcgis.com/apps/opsdashboard/index.html#/bda7594740fd40299423467b48e9ecf6

[2] https://oilprice.com/freewidgets/get_oilprices_chart/46#

[3] http://cosit.gov.iq/documents/national_accounts/national_income/reports/gdp %202019.pdf

التصنيفات : المقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان