العراق تاريخ اقتصادي، الجزء الثالث: الاحتلال البريطاني

المقدمة

أدخل الاحتلال البريطاني المجتمع العراقي في نمط غير مسبوق من العلاقات والمشكلات، وعلى الصعيد الاقتصادي كشف الاحتلال هشاشة الاقتصاد وضعفه وعدم قدرته على الصمود في وجه المشكلات الاقتصادية التي رافقت الحرب والاحتلال  وأيضاً مواجهة التحديات التي ستترتب عليه.

لقد صدم الاحتلال المجتمع بتقدم آلته العسكرية، كما أنَّه أقام مؤسسات متقدمة في المجتمع الذي فرض عليه التعامل مع محتل جديد أكثر تقدماً وفتكاً وكفاءة في إدارة شؤون الاحتلال، لذا تشكل سنوات الاحتلال حقبة مهمة في تاريخ المجتمع والاقتصاد في العراق كونها أفرزت تغيرات جديدة أسهمت في ترسيخ أسس جديدة قدر لها أن تكون ثوابت لمرحلة تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

لقد اتجهت السياسة التي انتهجها البريطانيون نحو الاعتراف بنفوذ القبائل وتعزيز سلطان شيوخ العشائر، وإبداع نظام السركلة لأغراض مالية إلا أنَّ هذا النظام تحول إلى علاقة اجتماعية تربط السركال بأبناء عشيرته العاملين في الزراعة.

ومع تغير نمط إدارة البلاد في ظل الحكم الجديد، تطلع الغزاة الجدد نحو تعزيز سلطان الحكم وترسيخ المؤسسات وتحسين كفاءة البنى الأساسية الداعمة للحكم توجهوا إلى أحداث تبدلات جديدة في الاقتصاد، فعمدوا إلى إجراء مجموعة من الإصلاحات المالية والإدارية والزراعية بقصد زيادة موارد الإدارة المدنية البريطانية وتمويلها ذاتياً دون الحاجة إلى طلب الأموال من لندن، وقد نجحت تلك الإدارة في ذلك، إلا أنَّ نجاحها هذا ترك آثاراً سلبية على الاقتصاد وفرض عليه المزيد من الركود في ظل تزايد الأعباء التي يتحملها الناس وضآلة المردودات المتأتية من هذه الأعباء بما أثر على مستويات المعيشة وقلص أنشطة الأعمال التي تأثرت سلباً بالحرب.

لقد افرز الاحتلال فيما بعد عدداً من النتائج التي أثرت على الاقتصاد كان لها آثار ايجابية وسلبية، فقد فرضت حاجاتها التعبوية تطوير النقل فشرعت بانجاز خطوط السكك الحديدية وتطوير الموانئ، كما عملت على التدخل في التجارة وتحفيز الاستيراد والتصدير وبخاصة بعدما تغير ميزان الحرب لصالحها، إلا أنَّ النظام النقدي الذي فرضه الاحتلال وارتفاع الأسعار كانت له نتائج كارثية بالنسبة للاقتصاد الذي كان يواجه أزمة إنتاج حادة فشلت في ظلها محاولات البريطانيين تحفيز النشاط الزراعي. وتفاقمت أوضاع الريف في ظل الاحتلال البريطاني نتيجة تدخله، ومثلما فعل العثمانيون تطلع البريطانيون إلى الريف وحاولوا فرض حلول جديدة لمشكلة الأرض المعقدة، إلا أنَّ سياستهم البراغماتية التي تستهدي بمصلحة بريطانيا ساهمت في تعقيد المشكلة من خلال إضافة المزيد من الاشكالات والعبث بنظم الملكية وتشويه العلاقات الاجتماعية- السياسية التي تربط شيوخ العشائر بأبناء عشائرهم. من جهة أخرى، فإنَّ الظروف الاقتصادية التي رافقت الاحتلال أحدثت تبدلات اجتماعية واقتصادية ساهمت في زعزعة أسس التوازن الاجتماعي بين فئات المجتمع.

يركز هذا الجزء على متابعة التطورات الاقتصادية في ظل الاحتلال البريطاني، ورغم قصر المدة التي يتناولها هذا الجزء والتي تنحصر بين بداية الاحتلال البريطاني عام 1914 وحتى تشكيل الحكومة الوطنية الدائمة بعد تنصيب فيصل بن الحسين ملكاً على العراق إلا أنَّ هذه المدة كانت حبلى بالأحداث التي شكلت آثاراً عميقة في بنية الاقتصاد العراق وحددت مسارات توجهه في المستقبل. وقد قسم الكتاب على ستة فصول، تناول الأول ملابسات وظروف الاحتلال البريطاني للعراق، واختص الفصل الثاني برصد الآثار الاقتصادية للحرب، وتناول الفصلين الثالث والرابع أوضاع الريف في ظل الاحتلال والواقع الاقتصادي في المدن في ظل الاحتلال. وانطلاقاً من أهمية السياسات المالية التي انتهجها البريطانيون وآثارها العميقة فقد اختص الفصل الخامس بالسياسة المالية للإدارة المدنية البريطانية، واختتم الفصل السادس الكتاب بالتركيز على عمليات تشكل الدولة الوطنية.

العراق

تاريخ اقتصادي

الجزء الثالث

التطورات الاقتصادية في ظل الاحتلال البريطاني

1914-1921

تأليف

أ.د. كامل علاوي الفتلاوي        د. حسن لطيف الزبيدي

مراجعة

د. عماد عبد اللطيف سالم

2012

المحتويات