العراق تاريخ اقتصادي الجزء الثاني الحقبة العثمانية 1831-1914

منذ 5 سنوات
10677

تُعد حقبة الاحتلال العثماني للعراق وما رافقها من مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية واحدة من أكثر الحقب تأثيراً في تشكيل الاقتصاد العراقي، بل وفي تشكيل العراق نفسه. فقد تفاعلت مشكلات تلك الحقبة بقوة لتشكل فيما بعد حقائق الحاضر ولتسهم بشكل أو بآخر في صياغة مشكلاته.

لقد أثّرت السياسات العثمانية، والإهمال المتعمد للاقتصاد في إيجاد علل مزمنة في الاقتصاد العراقي وتجذير تخلفه ومن ثم ترسيخ تبعيته بفعل إقدام العثمانيين مبكراً على دمج العراق في المنظومة الرأسمالية عبر نظام الامتيازات التي منحتها دون تخطيط أو وعي بعواقبها للبلدان الأوروبية.

من جهة أخرى، كان الاقتصاد المحلي يتعرض لضغوط متنوعة فرضتها حقائق الارتباط غير المتكافئ بالاقتصاد الرأسمالي، وضغط النمو الاقتصادي غير المتوازن لقطاعات الاقتصاد وأنشطته، بما لا يتلاءم مع احتياجات المجتمع وتلبية متطلباته، فنشأ اقتصاد مشوه أتت التطورات الجديدة على مكامن القوة فيه وضربت صناعاته الحرفية الناشطة، وتعرضت الزراعة فيه إلى ضغوط السياسات العثمانية الخاطئة.

إنَّ أهم المشكلات التي يرصدها هذا الجزء هي مشكلة الأرض التي شكل الصراع على حيازتها واستغلالها محور الصراع الاجتماعي- الاقتصادي- السياسي بين العشائر نفسها، وبينها وبين الحكومة العثمانية من جهة أخرى، وعلى خلفية هذا الصراع ترسخت مشكلات جديدة نتجت عن محاولة الحكومة العثمانية تطبيق قوانين الأرض بالقوة، وممانعة الأفراد والقبائل لتلك السياسة، ولعل هذه المشكلات هي التي حالت فيما بعد دون تطور القطاع الزراعي وتخلفه عن مواكبة التطورات الاقتصادية الايجابية التي طرأت على الاقتصاد.

لقد ساهم كل ذلك في تشويه علاقات الإنتاج القائمة آنذاك، وأوجد نمطاً مشوهاً منها، وخلق ضغوطاً إضافية على الفئات الرأسمالية الصاعدة وأعاق إمكانية التشكل الطبقي الصحيح فتواجدت العلاقات الرأسمالية إلى جانب العلاقات ما قبل الرأسمالية التي يصعب توصيفها بالإقطاعية، والفئات التجارية وأصحاب رؤوس الأموال والعمال إلى جانب الإقطاعيين والفلاحين المعدمين المرتبطين بقوة بنمط من العلاقات الاجتماعية التي جرى نقلها إلى المدن والتي لا تناسب التطور الرأسمالي.

إنَّ هذا الجزء هو عن حقبة ما قبل الدولة الحديثة ونشوء الاقتصاد الوطني هو الثاني من مجلدات عدة ترصد التاريخ الاقتصادي للعراق منذ بداية الثلث الثاني من القرن التاسع عشر حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

إنَّ محور اهتمام الجزء الثاني هو الحقبة الأخيرة من الاحتلال العثماني للعراق وتحديداً ما بين عامي 1831-1914 والتي تشكل أكثر الفترات تأثيرا في تاريخ هذا الحكم بفعل تزايد المتغيرات الداخلية والخارجية التي أريد لها أن توجه العراق اتجاهات معينة وقد جاء الكتاب في ستة فصول تلاحق تلك التطورات، فتناول الفصل الأول الإدارة السلطانية للعراق والمشكلات التي ترتبت على تخلف تلك الإدارة وفسادها. أما الفصل الثاني فقد ركز على السياسة العثمانية اتجاه الريف والكيفية التي تم بها التلاعب بملكية الأرض والتطبيق المشوه لقانون الأراضي العثماني الذي جاءت نتائجه مناقضة تماما للأهداف التي أريد له أن يحققها. وركز الفصل الثالث على الحياة الاقتصادية في المدن العراقية التي قسمت على ثلاث مجموعات هي المدن الكبرى والمقدسة والطرفية وركز على مسألة تطور الصناعة وظهور الطبقة العاملة. أما الفصل الرابع والذي حمل عنوان: المال والتجارة والسياسة، فقد رصد التطورات النقدية الضرورية لازدهار التجارة وظهور الأعمال المصرفية والصعود الاقتصادي لليهود العراقيين مستفيدين من الأجواء الايجابية التي أوجدتها التنظيمات العثمانية. ويمثل الفصل الخامس خلاصة عامة لعملية التحول من اقتصاد الكفاف إلى اقتصاد السوق والتي تفاعلت فيها التطورات الاقتصادية والاجتماعية كما رسمتها الفصول السابقة لتنتج نمطاً فريداً من الاقتصاد الذي تعايشت فيه علاقات الريف مع علاقات المدينة. أما الفصل السادس والأخير من الكتاب فقد اختص بآليات اندماج العراق بالاقتصاد العالمي وتنافس الدول الكبرى للفوز بحصة منه، ورغم أنَّ التنافس كان قد ابتدأ تجارياً، إلا أنَّه سرعان ما تحول إلى تنافس عسكري مع تبدل الأولويات البريطانية تجاه العراق وسعيها لاحتلاله لتبدأ حقبة جديدة من تطور الاقتصاد العراقي.

 

ومن الله التوفيق

التصنيفات : الكتب المؤلفة
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان