الاقتصاد والامن في العراق: جدليات البطالة والفقر 2003-2019

منذ 5 سنوات
12052

الاقتصاد والامن في العراق: جدليات البطالة والفقر 2003-2019

القيت في ملتقى الرافدين 2019

د. حسن لطيف كاظم

حاول الكثير من الباحثين الربط ما بين الاقتصاد والامن بعد عام 2003، ونجد عددا من الرؤى المتمايزة حول العلاقة بين الاقتصاد وعدم الاستقرار السياسي والأمني:

  • أن الأوضاع الاقتصادية وبالذات الفقر والبطالة هي الاسباب الرئيسة وراء تفاقم الوضع الأمني، حيث قادت سياسة سلطة الائتلاف المؤقتة القاضية بتسريح منتسبي بعض الوزارات إلى خلق جيش من العاطلين الذي يمد التمرد ضد الحكومة فضلا عن  عجز الحكومات المتعاقبة في إيجاد الوظائف الى تفاقم معدلات البطالة وتزايد معدلات الفقر الامر الذي اوجد جيلا من الشباب الذين اضطروا الى سلوك طريق العنف.
  • يذهب آخرون إلى تحميل الوضع الأمني مسؤولية ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
  • يذهب فريق ثالث إلى القول بان العلاقة بينهما تبادلية ذلك أن “انعدام الأمن يؤدي إلى انعدام إعادة الإعمار الذي يؤدي إلى انعدام الوظائف وهذا يؤدي من جديد لانعدام الأمن”.

وسنحاول في هذه المداخلة عرض جوانب هذه العلاقة كما بينتها البيانات والاحصاءات الحكومية المتاحة حول قضية البطالة والفقر.

أولا: البطالة

يمكن تعريف البطالة بأنها الحالة التي لا تستخدم قوة العمل استخداما كاملاً أو كفوءً. وبحسب منظمة العمل الدولية العاطل فأن “كل من هو قادر على العمل، وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى” واستنادا إلى تعريف منظمة العمل الدولية الأشخاص الذين يعملون أقل من 15 ساعة أسبوعيا على أنهم عاطلون عن العمل.

منذ عام 2003 أجريت عدد من التقديرات لمعدلات البطالة في العراق استنادا الى أسلوب المسح بالعينة أشارت إلى انخفاض معدلاتها العامة في البلد من حوالي 28% عام 2003 إلى 17.5% عام 2006، ثم الى 15.34% عام 2008، توقفت عمليات المسح بعد هذا التاريخ الخاصة بالبطالة، الا ان بعض المسوحات ومنها مسوحات الانفاق والاسرة قدمت تقديرات أخرى، اشارت الى انخفاض معدلات البطالة الى 11.9% عام 2012، والى 10.8% عام 2016.

وعلى مستوى المحافظات تتصدر ذي قار تليها الأنبار ونينوى والمثنى والقادسية يعود السبب الرئيس وراء ارتفاع معدلات البطالة في محافظة مثل ذي قار إلى طبيعة اقتصاد المحافظة المتمحور أساسا حول الزراعة والرعي ومحدودية النشاط الخاص فيها، وهو ما ينطبق أيضا على المثنى. كما إن عدم الاستقرار الأمني أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في كل من الأنبار ونينوى وديالى. فيما حققت البصرة أدنى المعدلات ثم واسط فالسليمانية وبابل وكربلاء وكركوك وفي المحافظات ذات المعدلات المنخفضة نسبيا من البطالة فان طبيعة اقتصادها يلعب دورا رئيسا في تحديد سلوك ظاهرة البطالة فضلا عن الاستقرار الأمني النسبي الذي تتمتع به. فكبر اقتصاد البصرة ووجود المنشآت النفطية والميناء كلها زادت من فرص الحصول على عمل. كما ان الاستقرار الأمني ووجود المعابر الحدودية مع إيران قد أنعش اقتصاد واسط والسليمانية. أما كربلاء والنجف فإنهما يعتبران من أهم مناطق السياحة الدينية.

 

ثانيا: الفقر

أجريت في العراق ثلاث محاولات شاملة لقياس فقر الدخل بعد عام 2003، الأولى كانت عام 2008 والتي بنيت على أساسها استراتيجية التخفيف من الفقر الأولى، والثانية كانت في عام 2012، والتي بموجبها تم اعداد استراتيجية الفقر الثانية (2018-2022). أما المحاولة الثالثة فهي في عام 2018 لمعرفة أثر داعش في الفقر والتي افضت الى النتائج التي يوضحها الجدول الاتي:

جدول: نسبة الفقر في العراق 2007 و 2012 و 2018

الإقليم المحافظات 2007 2012 2018 التغير
الإجمالي جميع المحافظات 22.9 18.9 20 1.1
المركز بغداد، بابل، واسط، النجف، كربلاء 30.0 13.7 11.5 -2.2
الشمال نينوى، كركوك، ديالى، الانبار، صلاح الدين 25.3 22.3 27.5 5.2
الجنوب القادسية، المثنى، ذي قار، ميسان، البصرة. 34.6 33.6 31.1 -2.5
كردستان دهوك، السليمانية، اربيل 5.3 3.5 5.5 2

 

ثالثا: الإرهاب وعدم الاستقرار

لم تقدم الحكومة والجهات الوطنية بيانات شاملة عن الأوضاع الأمنية في العراق، لذا لم يتح للباحث أي تقدير جاد من اية جهة وطنية للعمليات الإرهابية ونتائجها، لذا لجأ الباحث الى الاستعانة بالتقديرات الدولية للعمليات الإرهابية، اذ يوفر موقع قاعدة بينات الإرهاب العالمي بيانات شاملة عن العمليات الإرهابية التي حدثت في جميع دول العالم ومنها العراق منذ مطلع السبعينيات وحتى الوقت الحاضر، وقد قام الباحث باحتساب المؤشرات الخاصة بالعراق بحسب المحافظات وكانت النتائج الاجمالية تشير

  مجموع العمليات الارهابية النسبة المئوية
الانبار 3296 13.5
أربيل 118 0.5
كركوك 1799 7.3
بابل 1110 4.5
بغداد 7591 31.0
البصرة 259 1.1
ذي قار 63 0.3
ديالى 3036 12.4
كربلاء 138 0.6
النجف 53 0.2
نينوى 3236 13.2
صلاح الدين 3404 13.9
السليمانية 38 0.2
المثنى 19 0.1
دهوك 11 0.0
القادسية 57 0.2
واسط 115 0.5
ميسان 32 0.1
غير محدد 120 0.5
المجموع 24495 100

الى حصول 24495 عملية ما بين عامي 2003-2017، كانت اكثرها في بغداد التي حدثت فيها 7591 عملية أي حوالي 31ّ% من اجمالي العمليات ، تليها صلاح الدين (3404 عملية)، فالانبار (3296 عملية)، ونينوى (3236 عملية)، فديالى (3036 عملية) وكركوك (1799 عملية) وبابل (1110 عملية). ويعرض الجدول الاتي بيانات موجزة للعمليات الارهابية:

رابعا: ماذا تعني البيانات؟

يؤثر الوضع الأمني على الاقتصاد العراقي بطرق عدة فهو يرفع تكاليف الإنتاج ويحول موارد الإعمار إلى نشاطات غير منتجة؛ كما انه يجبر الشركات الأجنبية الموجودة، والمنظمات غير الحكومية، على مغادرة العراق، ويقلل من فرص جلب رؤوس الأموال إلى البلد؛ كما يتسبب انعدام الأمن في أحداث نقص حاد في إنتاج الخدمات العامة وبخاصة الكهرباء والمشتقات النفطية ويؤدي إلى انتشار السوق السوداء، ويؤدي ذلك إلى تدهور شروط العيش وانخفاض القدرة الشرائية للأسر. وعلى نحو الاجمال فان اثر الإرهاب كان سلبيا في معدلات الاستثمار وتدني معدلاته، اذ لم ينجح العراق في اجتذاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية الى الاقتصاد حتى في اكثر المناطق امنا، وعلى الرغم من وجود قانون للاستثمار يعد الأكثر سخاء ومحاباة للمستثمرين. اذ لم يتجاوز رصيد الاستثمار الأجنبي 10 ملايين دولار خلال الأعوام الماضية.

لا يمكن الجزم بوجود علاقة إحصائية بين الفقر والإرهاب، وبين البطالة والإرهاب وتفسير ذلك انه ليس هناك أسباب اقتصادية للإرهاب، الذي تكمن أسبابه في الابعاد الأيديولوجية، والتمذهب التكفيري. اذ كانت المحافظات الأكثر فقرا وبطالة في الجنوب ادنى المحافظات التي شهدت عمليات إرهابية، فيما كانت المحافظات الأكثر تعرضا للإرهاب اقل فقرا وبطالة، لكن شهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعا في معدلات البطالة والفقر في المحافظات الساخنة، الامر الذي يعني تأثير الإرهاب والانعدام الامن في رفع هذه المعدلات.

حتى مع قيام داعش بالتركيز على تحسين الأوضاع المعيشية في المناطق التي احتلها (2014-2017) لم يستطع جذب المزيد من الأنصار، لذا كان التركيز على الدعاية الطائفية بدلا من “الدعاية الاقتصادية”.

لكن برغم جدية المشكلات الأمنية، فان الاقتصاد لم يتعطل كليا من جراء العنف، فقد تمكنت الأعمال التجارية الصغيرة من النمو والازدهار رغم الاضطرابات المحلية. وهو أمر يعود في جزء كبير منه إلى الإصلاحات الاقتصادية التي انعكست آثارها الايجابية على تحسن دخول موظفي القطاع العام والمتقاعدين، وتحقيق الاستقرار النقدي فضلا عن النتائج الايجابية للإصلاحات المالية.

اذن الإرهاب عمق مشكلتين خطيرتين هما: البطالة والفقر

ليست هناك حاجة لاتباع سياسات استثنائية، وحلول استثنائية، بل يراد ان نتبنى “إرادة استثنائية” لمواجهة هذه المشكلات. إذن لابد من اتباع سياسات اقتصادية لمعالجة هاتين المشكلتين لاسيما في المناطق المحررة، لتجنب عكس العلاقة السابقة. ويمكن لسياسة استثمارية ملائمة أن تؤدي الى المزيد من التحسن الاقتصادي وتقليل معدلات الفقر والبطالة في عموم مناطق العراق ومنها المحافظات التي شهدت اعلى المعدلات في الإرهاب.

 

 

 

التصنيفات : المقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان